وكالة أنباء الحوزة/ في بيان صادر عن مدير الحوزات العلمية، أدان فيه بوضوح قتل المسلمين وابادتهم في نيجيريا واعتبر ذلك انعكاسا للتخبط والقلق الذي تعيشه السلطات هناك، وانحدارا في تعاطي السياسيين الأخلاقي مع هذه الطائفة من الشعب وابتعادا عن الحكمة في معاملتهم، وقال: يجب على حكام نيجيريا اتباع سبيل الحوار والتعاطي المرن مع مواطنيهم بعيدا عن أساليب القمع والقتل والابادة.
وعلى ضوء ما افاده التقرير الذي أعدّه مراسل وكالة أنباء الحوزة نورد هنا نصّ البيان الذي صدر عن مدير الحوزات العلمية في مدينة قم آية الله الشيخ علي رضا اعرافي، والمتعلق بالأحداث الدموية الأخيرة في جمهورية نيجيريا الاتحادية:
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ الاحداث الكارثية التي يقع ضحيتها من وقت لآخر المسلمون في جمهورية نيجيريا، حينما تسفك دماءهم ويقتل شبابهم بالرصاص على يد القوات المسلحة النيجيرية، في صور مروّعة لقتل مواطنيهم وأبناء بلدهم، ان عدم المبالاة المتكررة في استخدام الأسلحة والرصاص الحي من قبل الجيش المسلم في جمهورية كبيرة مثل نيجيريا ضد المواطنين المسلمين واخوانهم في الدين، هي بادرة خطيرة وانحدار في الالتزامات الأخلاقية وفقدان للتعقل والحكمة. ثم ان الجيوش التي تستسهل ومن دون رحمة او شفقة وتريق في مناسبات مختلفة دماء مواطنيها وأبناء جلدتها وتعتبر قتلهم وابادتهم أمرا يسيرا مباحا، سوف تحيل بلدها بسبب تعسفها وعبثيتها الى الفوضى والخراب بدلا من القضاء على ازمة الامن واحلال الاستقرار في اوطانها.
ولاشك فان أي انسان وكل القوى العاقلة في العالم المسلم لا تدع مصير سيادتها وامتها فريسة لهكذا حماقة، وان الحوزة العلمية في الجمهورية الاسلامية الايرانية رغم تأكيدها على احترام سيادة الدول المسلمة لاسيما الدولة الشقيقة والكبيرة نيجيريا، فانها تدين أي لون من الاعتداء والابادة وسفك الدماء، وممارسة الظلم والتعسف بحق المسملين من قبل العسكر، وتدعو كافة الأطراف ذات العلاقة الى الحوار واقتفاء التعقل والحلول الحكيمة لكافة التحديات العالقة.
في أي عالم تكون إبادة الشباب واراقة دمائهم مدعاة للأمن؟ ومتى كانت مواجهة الشعب في أمة ما بالقهر والاضطهاد العسكري سببا للاستقرار؟ وأين تتحق السيادة والثبات في الوطن حينما يتم قمع المواطنين الأبرياء عند ممارستهم للشعائر السلمية؟ وهل ان مواجهة المحافل الدينية والقرآنية الموافقة لسنة النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم)، واحياء ذكرى عاشوراء وأربعين الحسين (عليه السلام) سيؤدي الى اضمحلال تلك الذكرى وذبولها؟ فلو سلك حكام نيجيريا المسلمين لأي سبب كان حتى لو كان يعود الى توصيات اجنبية او رغبات الهيمنة العالمية او سعيا من أولئك الحكام لاضطهاد الشيعة وابادتهم، بذريعة مكافحة بعض الجماعات والتيارات او اصلاح البلاد من الداخل، رغم كل هذه الأسباب فإنها لا تبرر اطلاقا سلوك الظلم والقهر والقتل والابادة، ومثل هذه الأساليب سوف لا توصل الى الأهداف التي ترمي اليها.
ان العالم الإسلامي بسعته ورحابته الكبيرة يمكنه التعاون مع حكام نيجيريا المسلمين ومواجهة التحديات الراهنة وحل واذابة المشاكل العالقة، وكذلك يستطيع إيجاد أرضية ملائمة لممارسة حريات الفرق المسلمة وإقامة شعائرهم الإسلامية.
كذلك فان الجمهورية الإسلامية الايرانية والقيادة الحكيمة فيها ومراجع الدين العظام وكذلك الحوزة العلمية مستعدة للقيام بدور فاعل للقضاء على هذه الازمة واحتوائها، وإيجاد التدابير التي من شأنها ان تحل المشاكل التي تواجه الجماعات الإسلامية في نيجيريا.
ان التعامل مع أتباع مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) ومتبنياتهم الفكرية في جمهورية نيجيريا الاتحادية ليس سلوكا طيبا نابعا من الحكمة والتعقل؛ وذلك لأن نشر تعاليم مذهب أهل البيت وترسيخ قواعدها في المجتمع هناك يعد من العوامل الأساسية لحل مشاكل وتحديات العالم الإسلامي، لاسيما الاخطار الإرهابية المحدقة واشكال التطرف والتعصب المفرط الذي يواجهه هذا البلد.
ان محاربة مثل هذه المدرسة يعني لونا من تشويه الذات وجرحها، ومنح الفرصة المناسبة لذيوع وترويج التيارات المقابلة، الامر الذي يعني فسح المجال امام الفكر الهدام وتفشي الإرهاب، الذي يتغلغل وينشط وتحت عناوين مختلفة في جميع انحاء العالم الإسلامي لاسيما الجمهورية الكبيرة نيجيريا.
متى أصبح العالم الشيعي المسلم وفي أي مكان من العالم خطرا على امن واستقرار الدول المسلمة؟ أليس سوى حركة بوكو حرام ومصادرها الفكرية الداعمة والمعروفة وسائر المنظمات المتطرفة والتيارات المتعصبة التي تشعل الفتنة بين الشعوب، والتي تحظى بالحماية من قبل الدول المعروفة أيضا، هي التي تقتل وتفتك بملايين المسلمين على تعدد مذاهبهم ومشاربهم بذريعة التكفير والخروج عن الإسلام؟
ان قتل أتباع المذاهب والرؤى والأفكار الذين لا علاقة لهم على الاطلاق في أي رقعة من العالم بما في ذلك العالم الغربي في تأسيس أي تيار ينشد العنف والتكفير والإرهاب، ولم يسجل أي اعتراف منهم بالجماعات الإرهابية في جميع نقاط افريقيا، بل سائر انحاء العالم، ليس من الحكمة ولا من التعقل في شيء.
فلو ارادت السلطات النيجيرية القيام بجملة من الاجراءات والممارسات من اجل بسط الامن وضمان الاستقرار وحفظ القوانين واحترامها، فلابد ان تتبع سبلا معقولة بعيدا عن سياسة إراقة الدماء وابادة الناس وقتل المواطنين، ويسلكوا طرق الحوار الهادئ معهم، فان العقدة سوف تنحل اذا ما تم التعامل معها بالحوار والفهم المتبادل، ومن دون شك فان اشهار السلاح ورمي الرصاص وطعن السكاكين والسيوف سوف يعقّد المسألة اكثر، وبها تغلق أبواب جميع الحلول وبذلك سوف تنطفئ كل المصابيح التي تضيء الطريق.
ان الاضطراب والفوضى والفتنة في دولة كبرى ومهمة مثل نيجيريا الاتحادية يمكن ان يكون هدفا ومقصدا أساسيا لبعض القوى في العالم وكذلك رغبة من بعض الدول التي تحمي وتدعم التيارات المتعصبة والعصابات التي تدعو الى العنف والتكفير الديني والمذهبي، ولكن من وجهة نظرنا فان الهدوء والاستقرار في أوساط الشعب النيجيري العريق والكبير هو جزء من التزاماتنا ومحور أساسي بالنسبة لنا، وان حماية الأرواح والامن والكرامة في هذا البلد المسلم، من اكثر الاستراتيجيات والحقوق التي يطالب بها العالم الإسلامي.
من هنا ومع ملاحظة تشديد مراجع التقليد العظام وتأكيداتهم لاسيما آية الله العظمى الشيخ صافي گلپایگانی (مد ظله) نطالب الحكومة في هذه الدولة المحافظة على حرية ومكانة الشيعة المظلومين فيها، وعدم تكرار هذه الحوادث معهم، وندعو المجتمع الدولي ومجلس الامن ومنظمة المؤتمر الإسلامي الى العمل بكل وسعها وممارسة كل صلاحياتها الذاتية في متابعة هذه الواقعة والحيلولة دون توسعها وتكرارها من جديد، ونلفت عناية وزارة الخارجية الإيرانية الى ضرورة متابعة ما حصل أيضا وعرض هذه القضية على المحافل الدولية، والزام جمهورية نيجيريا بالحفاظ على أرواح المسلمين هناك، والنظر في الأسباب التي أدت الى هذه الحادثة الدموية.
ندعو الله تبارك وتعالى ان يلهم ذوي الشهداء والضحايا الذين سقطوا في هذه الحادثة الأليمة الصبر والسلوان، وان يرزق جميع الشهداء اعلى الدرجات في جنان الخلد.
علي رضا اعرافي
مدير الحوزات العلمية في ايران